الشعراء العشاق
شعر : سامية الصعيدي
هذا الديوان
بقلم: النــاقـد أمين مرسي
عضو اتحاد كُتـّـاب مِـصـــر وكُتــاب آسـيــا وأفـريـقـيــا
هذا الديوان: (الشعراء العشاق) للشاعرة (سامية الصعيدي) ينهل من التراث, وتراثنا الشعري القصصي القديم حافل بما يحفزُ على القراءة المتأنية, والدراسة المستقصية, إذا ما أردنا لهذا التراث أن يحيا في نفوسنا, وأن نفيدَ منه, وأن يستمر استمتاعنا به, ونحن نعيش عصرنا, ونتذوق أدبه الذي لم تنقطع صلته بالتراث, فيبقى محافظا على قيمه الفنية أو مستلهما من تاريخه وموضوعاته ما يثري تجاربه, أو يعيد تفسير المواقف بإحساس جديد, وفهم أعمق, وأشمل.
وشاعرتنا(سامية الصعيدي) اختارت من التراث قصصا أبطالها شغلوا الدنيا, والناس, فمن العصر الجاهلي يطل علينا (عنترة بن شداد العبسي), الذي توفى حوالي 600م , وهو شاعر فارس من أهل (نجد), كان ابن جارية حبشية اسمها (زبيبة), فلم يعترف به أبوه, ولكن ما أظهره من بطولة في حروب (داحس والغبراء) جعل أباه يعترف به, فقد اشتعلت الحرب وهاجت بين (عبْس) و(ذبيان) أربعين سنة. و(داحس): فرس (قيس بن زهير) الذي تراهن مع (حذيفةبنبدر) على عشرين بعيرًا, فأجرى (قيس) (داحسا) و(الغبراء), وأجرى (حذيفة) (الخطار) و(الحنفاء), فوضعت (بنو فزارة) رهط (حذيفة) كمينا في الطريق, فردوا (الغبراء) , ولطموها وكانت سابقة, ومن هنا اشتعلت الحرب.
تزوج (عنترة) حبيبته (عبلة), وكان شجاعا, جوادا, عفيفا, تمثل فيه الخُلق العربي البدوي, ودارت حوله ملحمة جميلة, وله ديوان شعري, ومعلقه تدور حول حبه لــ(عبلة), وفخره ببطولته الحربية.
وشاعرتنا في نظمها لقصة (عنترة بن شداد) تعيد إلينا الأمجاد العربية في شعر بسيط, سلس, سهل, لا يحتاج إلى الإطلاع على القصة في مصادرها الأصلية.
كما تحدثنا عن (قيس بن الملوح العامري) الذي توفى عام 684 أو عام687 م , كما يقول المؤرخون, وهو شاعر عربي, عاش في أوائل أيام الدولة الأموية التي أسسها:(معاوية بن أبي سفيان)عام661م/41هـ.
كما تحدثنا عن (قيس بن الملوح العامري) الذي توفى عام 684 أو عام
ولقد أحب (قيس) (ليلى العامرية), وذكرها في شعره, وأصابه الجنون لفرط حبه لمحبوبته, و
إحجام أهلها عن تزويجه إياها.
إحجام أهلها عن تزويجه إياها.
تقول (ليلى العامريه) وهي تعزف على أوتار الروح:
لم يكن المجنون في حالة | | إلا وقد كنت كما كانا |
لكنه باح بـسـر الهوى | | وإنني قد ذبتُ كتمانا |
وتقول:
باح مجنون عامر بهواه | | وكتمت الهوى فمت بوجدي |
فإذا كان في القيامة نُوديَ | | مَنْقتيلُالهوى؟تقدمتوحدي |
كانت (ليلى العامرية) قيثارة حزينة تجمع مايتناثر من أحلام (قيس), وتسرج أحلامها عند بابه, وتقطف زهو الضحى لأجله.
و(قيس) شاعر رائع, أما شعره فهو غاية في الرقة, مع الرصانة, وأقرب إلى البداوة, وديوانه مطبوع في (القاهرة) و(بيروت), ومنه نسخ خطية في دار الكتب المصرية, ومكتبات: (برلين) و(باريس).
وشاعرتنا تسلط الأضواء على القصة من خلال رباعيات, تدلنا على طهارة الحب, والأخلاق التي سُبكت من الذهب المصفى, والشمائل التي عصرت من ماء المُزن, والبطل هنا هو (قيس) وهو توأم النجابة, وصِنْوُ المروءة, وخلاصة الحسب, وعُصَارة الكرم, والحديث عن شمائله يتجدد كل يوم, ولا تزال له نفحات من المعروف تعبر عن الصدق الشديد ... وتنتقل بنا الشاعرة (سامية الصعيدي) إلى قصة الشاعر العذري (قيس بن ذريح) (625-688م) وهو شاعر ينسب إلى قبيلة (بني عُذرة), عاش في بادية (المدينة) وأحب (لبنى بنت الحباب الخزاعية) وتزوجها على غير رغبة والديه, وكان وحيدهما, فألحّا عليه في تطليقها, وعذبا نفسيهما ليكرهاه على طلاق زوجته, وأثارا عليه قومه حتى خضع لهما, فطلقها وتزوجها (خالد بن حلزة الغطفاني) ,وتزوجها (قيس) بعد أن طلقها (خالد), وقيل ماتت قبل أن يتزوجها.
ثم تحدثنا الشاعرة (سامية الصعيدي) عن قصة (قيسولبنى) من خلال رباعيات شعرية عامية.
يقول (ابن فضل الله العمري)عن (قيس ولبنى) في كتابه: )مسالك الأبصار) المصور بدار الكتب المصرية تحت رقم 559 معارف عامة: (عاشق شفه التبريح,ووامق لم يشفه التصريح, تيمه حب (لبنى), وهيَّمه هواها فما أغنى, أصبته حُسنا, وسبته بمحيا كالبدر أو أسنى, جلبت له حزنا طويلا, وجنت له من روض حسنها مرعى وبيلا. تزوج بها وهو بها كَلِف, وبحبها شغف. ثم أدمن مجالستها, وأدمن مؤانستها, وولع بتأمل محاسنها, وتنقل نظره في رؤية أحاسنها[1], حتى طبع هواها على قلبه, وطلع أنينه بما قطع من خِلـْـبه[2]. وألف لأجلها ظل الخباء لا يفارقه, وأنكر فضل الحياء كأنه ما دبت بخده شقائقه[3].
فعز هذا على أبيه, وطالبه بطلاقها فأبى, وأبي أبوه إلا أن يذيقه مراراة فراقها على صبى. ثم لما رأى إصراره على حب (لبنى), وإستمراره على حاله المعنى, وأصحرَ[4] أبوه وآلى ألا يستظل ببيت حتى يلقى حبها على غاربها[5], ويُلحق خطاها ببيت أقاربها, وكان أوان حر تلفح هواجره[6], وينفخ بالسموم[7] ناجره[8]. فأقبل كهول الحي على (قيس) يلومونه على حقوق أبيه, ويخوفونه عقوق أمره في امرأة تُـصبيه[9]. ثم ما برحوا به حتى طلقها. فما انطلقت إلا هي (لـُبُّه) وفارقها فما فارقته إلا ومعها قلبه. ووجد[10] بها وجدا أقلق مضاجعه, وقلقل في المآقي مدامعه. وزوجه أبوه بامرأة غيرها ليسلو (لبنى), ويخلو معها أياما ينسى بها لياليه الحسنى. فما وقعت الثانية منه موقعا, ولا وجدت في قلبه موضعا. فبيَّت فراقها, وبتَّ طلاقها.
ثم الناس في (قيس) على قسمين: فمنهم من زعم أنه ردها, ونعم بها ليل التمام, يفترش بُردها[11]؛ ومنهم-وهم الجمهور- على أنه بقى بخياله, صريع هوى ما أفاق, وقريع[12]جوى[13] مُنى من أحبابه بالفراق).
وقد ألف عن قصة (قيس ولبني) الأديب (عزيز أباظة) مسرحية شعرية يقول فيها:
بكـــــاء فـي قواف عامرات | | سرت في البيد مشرقة وضاء |
فكُـــنّ لـــكل مـوصول غناء | | وكُــــن لـــكل مــهجور رجاء |
وكن شذى يضوع بكل خِدر | | ورَاحًـــا ينقع الــمهــج الظماء |
ولقد سجل التاريخ قصصا في حب الشعراء, حافلة بالعطاء منهم: الأحوص وأم جعفر, والعرجي وجيداء, وجميل وبثينة,والمتنبي وخولة, والعباس بن الأحنف وفوز, وذو الرمة وميّة, والقحيف وخرقاء, وتويت وسعدي, والمؤمل وهند, ومسعود بن خَرَشَةَ وجُمْل, والحارث المخزومي وعائشة, ومالك بن الصمصامة وجنوب, وأبو العتاهية وعتبة , وبيهس بن صُهيب وصفراء, وعبد الله بن العجلان وهند, ومُرّة بن عبد الله وليلى, وابن الدُّمينة وأميمة, والحارث بن خالد وعائشة, ونُصَيْب بن رباح وهند, وحميد بن ثور وأسماء, وابن رُهَيْمة وزينب, والنميري وزينب, والمرقش الأكبر وأسماء, والمرقش الأصغر وفاطمة, وابن الطثرية ووحشية, , والمخبل وميلاء, وابن ميادة وأم جحدر, ومسافر وهند... والقائمة طويلة جدا.
ثم تنتقل الشاعرة (سامية الصعيدي) بعد ذلك إلى قصة الشاعر (ابن زيدون) وحبيبته (ولادة بنت المستكفي), وابن زيدون (1003-1070م) هو (أحمد بن عبد الله) المعروف بابن زيدون المخزومي , القرشي الأصل. ولد ونشأ في (قرطبة) الأندلسية(394هـ -ت 463هـ), وكانت أسرته عزيزة الجانب. ولقد عززت ثقافته مكانته بين العلماء, اتخذه (ابن جهْوَر)- بعد انتصاره على الأمويين في الأندلس وزيرا له- ولقب بـــ(ذي الوزارتين), وقام منافسه (ابن عبدوس) في السياسة وحب (ولادة) بتأليب الأمير عليه, فسجنه وهرب من سجنه إلى بني عبّاد في (إشبيلية),وقد نظم قصيدة: (أضحى التنائي) على البحر البسيط بعد فراره من السجن, وأرسلها إلى حبيبته (ولادة ابنة المستكفي بالله) يلومها فيها, ويعاتبها على جفائها له وتنكرها لحبه, وانقلابها عنه إلى منافسه (ابن عبدوس) بالرغم من بقائه على عهد الوفاء, وراح يخبرها أنه ماسلا عنها بخمر, ولاخبا من بين ضلوعه لها من ملتهب جمر, وقام يهتف:
أضـــحى التنائي بديلا من تدانينا | | وناب عن طيب لقيانا تجافينا |
بنتم وبنـــّا فما ابتــلـــت جوانحُنا | | شوقا إليكم ولاجفـّت مــــآقينا |
وعارضها أمير الشعراء(أحمد شوقي) في قصيدة بعنوان:(أندلسية) نظمها في منفاه بـ(إسبانيا), وفيها يحن للوطــــن العــــزيــــز , ويصف كثيرا من مشاهده ومعاهده, ومطلعها:
يا نائـــــح الطلح أشباه عوادينا | | نشجى لواديك أم نأسى لوادينا؟ |
ماذا تقـــــص علينا غيرَ أن يدًا | | قصتجَناحكجالتفيحواشينا؟[14] |
والقصيدة عذبة تنساب انسيابا رقيقا إلى نفوسنا بتراكيب سهلة, واضحة ومتبنة في آن واحدة.
ثم تنتقل الشاعرة (سامية الصعيدي) لترجمة قصة الحب التي نشأت بين الشاعر الراحل (نزار قباني) (1923-1998)[15] وتتعرض لقصة حبه وزواجه من (بلقيس الراوي) العراقية ورحيلها, كما تعدد أسماء المطربين الذين غنوا كلمات (نزار قباني):
(أصالة) التي غنت له (اغضب كما تشاء) من ألحان (حلمي بكر), و(فايزة أحمد) في رسالة إلى امرأة (لا تدخلي) من ألحان (محمد سلطان) , و(فيروز) التي غنت له:
لا تسألوني ما اسمه حبيبي/ أخشى عليكم ضيعة الطيوب
كما غنت: (لقد كتبنا وأرسلنا), و(شادية)التي غنت له: (أأنت الذي) من تلحين الأخوين الرحباني, وغنت (أمكلثوم) 1969م (أصبح عندي الآن- طريق واحد) , من ألحان (محمد عبد الوهاب), و(رسالة إلى جمال عبد الناصر)عند وفاته من ألحان (رياض السنباطي) عام 1970.
وغنت (ماجدة الرومي): عام 1989م أغنية (بيروت), و(مع جريدة) عام1994م من ألحان (جمال سلامة), و(كلمات) عام 1991م من ألحان: (إحسان المنذر),وغنى (كاظم الساهر) من ألحانه: (إني خيرتك فاختاري), و(زيديني عشقا), التي يقول في مطلعها:
زيديني عشقا زيديني/ يا أحلى نوبات جنوني
و(علمني حبك - مدرسة الحب) التي يقول فيها:
علمني حبك أن أتصرف كالصبيان/أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان.
وغنى (خالد الشيخ) من ألحانه(عيناك), كما غنت (نجاة الصغيرة):(أسألك الرحيلا) عام 1991م, و(إلى حبيبي- متى ستعرف؟) 1972, التي يقول فيها:
متى ستعرف كم أهواك يا أملا/ أبيع من أجله الدنيا ومافيها.
و(أيظن)1960 , وغناها (محمد عبد الوهاب) على العود, وغنت (نجاة الصغيرة)(ماذا أقول له؟) من ألحان (محمد عبد الوهاب) 1965, يقول فيها:
ماذا أقول له؟ لو جاء يسألني/إن كنت أكرهه أو كنت أهواه/ ماذا أقول إذا راحت أنامله/ تلملم الليل عن شعري وترعاه؟
وغنى (عبد الحليم حافظ) (رسالة من تحت الماء) عام 1973م, و(قارئة الفنجان1976) من ألحان (محمد الموجي).
وتضمن شاعرتنا (سامية الصعيدي) بعض المعاني لهاتين الأغنيتين ففي (قارئة الفنجان) يقول (نزار قباني):
لكن سماءك ممطرة | | وطريقك مسدود مسدود |
وتقول شاعرتنا (سامية الصعيدي) في رباعية:
والطريق مسدود أمامه | | والسما أمطارها هاريه |
والدموع أنهار كثيره | | في شغاف القلب ساريه |
ويقول (نزار) في (قارئة الفنجان) :
وبرغم الجو الماطر والإعصار | | فالحبسيبقىياولدي أحلى الأقدار |
وهكذا تنتقل شاعرتنا من عصر إلى عصر, حتى تختم بـ(نزار قباني) الذي وصلت أشعاره في الحب إلى كل القلوب منذ صدور أول دواوينه الشعرية: (قالت لي السمراء).
ولم تذكر اسم المطربة (لطيفة) التي غنت قصيدة (دمشقيات) ,وقد غنتها لـ(سوريا) من ألحان (كاظمالساهر), وغنت قصيدة: (من ينقذ الإنسان؟) لحن (كاظم الساهر), دويتو غناء :(لطيفة) و(كاظم) في حفل بمسرح (البرت هول) في لندن, ومطلعها:
بكيت حتى انتهت الدموع/حتى ذابت الشموع/يا قدس يا مدينة الأحزان/من ينقذ الإنسان؟ من يوقف العدوان؟
وغنت له (لطيفة) : (تلومني الدنيا), و(يا إلهي) لحن:(كاظم الساهر). ولم تذكر أيضا (غادة رجب) التي غنت له قصيدة :(لماذا؟) لحن (كاظم الساهر).
وقراءة الديوان ممتعة, تنقلنا إلى أجواء شاعرية جميلة, وتعيد إلينا تاريخ العشق العربي في أجمل صوره وأشكاله .
والله الموفق والمستعان.
[2]الخِلب: حجاب ما بين القلب و الكبد, وفي المثل:(أنت بين كبدي وخِلبي) يضرب للعزيز الذي يُشفق عليه, ويقال: هو خِلبُ نساء: يخادعهن برقيق الحديث فــَيَـملنَ إليه, (ج) أخلاب.
[7]السَّمُوم: الريح الحارة, وتكون غالبا بالنهار, والحر الشديد النافذ في المسام.
[8]نجَر اليوم: كان حرا, والناجر كل شهر في صميم الحر.
[9]صبا إليه: حن وتشوق, والصبا: الشوق.
[10]الوجد: الحب الشديد, وتوَجّد بفلانة: أحبها.
[13]الجوى: شدة الوجد من عشق أو حزن.
[14]الطلح: نوع من الشجر سُمي به واد بظاهر (إشبيلية), كان (ابن عباد) شديد الولع به- وعوادينا: عوادي الدهر : النازلة بنا وهي مصائبه.
[15]نزار قباني: شاعر سوري, حصل على شهادة الثقافة, عام 1941, والبكالوريا عام 1942, وليسانس الحقوق 1945, = = وعين في السلك الدبلوماسي السوري في (القاهرة), ثم عمل في:(أنقرة), (لندن), (بكين), (بيروت), (مدريد), إلى أن استقال عام 1966م, وتفرغ لشعره.