سعد الفقى
هنا القاهرة
مقـدمــة
يضم هذا الكتاب مجموعة من المقالات للكاتب الشيخ ( سعد الفقي ) تهدف إلى تحرير الفكر من أسر الجمود ، وتعين على اتخاذ النهج السليم في التفكير ؛ ليكون أساسا للتمييز بين الثوابت والمتغيرات ، وتغرس الثقة في أبناء الوطن للتصدي للمشاكل من غير انتظار للمساعدة ، وتعويدهم التفكير المنظم ، والنقد البناء ، وشمولية النظرة ، وعدم التسرع في الحكم عن طريق تحليل منطقي منظم ، والإلمام بالجزيئات ، ومعرفة العلاقات القائمة بينها ، مما يعين على الوصول إلى النتائج من خلال المقدمات ، وتحرير الفكر من أسر الجمود والوهم والخرافة ، والجرأة في طرح الآراء، القدرة على التعبير بصراحة وصدق .
والكاتب من علماء الأزهر الشريف ، وابن بار من أبناء الدقهلية يتفاعل مع أحداث عصرنا ، ويحصل على المعلومات والمعارف بشتى السبل والوسائل ، ثم يمنحها نفحة من ذاته ، بأن يتفاعل في داخله ما يستجد منها مع خبراته وآلياته ، ويأتي حكمه على الأشياء ، والأحداث ، والأشخاص والمشاكل من واقع هذا التفاعل من دون أن ينقاد وراء أحكام الآخرين عليها ، وإن كان يفيد منها في تجلية النظر وتدقيق الرؤية . وهذا الأسلوب في التفكير الإبداعي من دون فرض أنماط محددة من التفكير على القراء ، ويبث في قرائه قيم الحوار البناء ليتيح لهم المجال للتعبير عن آرائهم في إطار من الاحترام ، والتزام القيم السامية ، وذلك لإيمانهم بأن قهر الرأي ، وممارسة الكبت يؤدي بهم إلى تعود الكذب ، وتسويغ السلوكيات الفاسدة ، وعدم التفاعل مع الحياة في إيجابية .
والشيخ ( سعد الفقي ) يدعو إلى التأمل ، والتدبير لاستشراف غد يخلو من المشاكل ، نكون فيه أكثر قدرة على التمييز بين أفكار جامدة لا حياة فيه ، وأفكار أخرى أصيلة تتسم بالجدة والتميز .
ومن الموضوعات التي تناولها بالكتابة : العقيدة الصهيونية ، والموساد الإسرائيلي ، والبطالة ، ومشاكل التعليم ، وابتعاد أبناء الأزهر عن التصويت في الانتخابات فيما يتعلق بقضايا أمنهم ، كما كتب عن صديقه (أيمن نور ) ، والقرضاوي ، ومأساة الفلاح المصري ، ومقتدى الصدر القاتل الفاشل الكاذب ، والإصلاحات الدستورية ، وسقوط بغداد ، والأسيرات الفلسطينيات ، والرئيس الفنزويلي ... وهو في كل ذلك يتمعن في المشاكل ، ويحلل ، ويوازن ، وينمي الفكر الإبداعي ، مع تنويع في الطرح ، وتعدد وجدد في زوايا النظر إلى المشاكل بحيث تتكامل الرؤى ، وتتآلف وتتحالف الأفكار على تنوعها لإيجاد الحلول الناجعة والأدلة الساطعة .
وهو يعارض كل ما يكبل ملكات التفكير أو يصادرها ليكون التفكير السليم ، والنظر الصحيح وسيلة من وسائل الإنسان المكلف بالقيام بمسؤوليات العمران ، والسعي في الأرض . وهو لا يقبل المسلمات من دون حمل النفس على التفكير في مدى صحتها وسلامة تكوينها ، بل يتدبر هذه المسلمات لتكون جزءا من نسيج فكره إذا صحت عنده ، ومن نافلة القول أن الإطلاع لا يمد العقل إلا بالمعارف ؛ لكن التفكير هو الذي يجعل ما نقرؤه ملكا خالصا سائغا لنا .
والكاتب الشيخ ( سعد الفقي ) مدرك للدور الذي يقوم به لتهيئة قرائه للتفاعل مع الحياة الدنيا ومجابهة ومواجهة مشاكلها ، ومدرك لقدرة الإنسان المصري على اتخاذ القرار الصحيح إذا تزود بالثقة في النفس والقدرة على تحمل المسئولية ، وتسلح بالإيمان والتفكير المنظم الذي يفضي إلى فهم أعمق للحياة ، ووعي بمقتضيات التفاعل الإيجابي معها . وفي ظل تعاظم حجم المشاكل الحياتية التي تواجهها في هذا الزمان ، إضافة إلى ما يستجد منها مستقبلا يكتب صاحب هذا الكتاب بجرأة وشجاعة منقطعة النظير ، لا يخشى في الحق لومة لائم مما يؤكد حاجة قرائه إلى طلاقة فكره ، وصواب رأيه .
وهو ينهل من حضارتنا التي أنجبت كبار المفكرين في الماضي والحاضر ولهذا ؛ تلقى كلماته صدى في نفوس القراء ، كما أنه يجسد مشاعرهم ، ويقدم الحلول لمشاكلهم . ولقد تميزت كتاباته ببعدها الفكري التأملي التحليلي المخملي ، وتطويع اللغة للتعبير عن أدق مشاعر النفس وخلجاتها ، وبراعة الصياغة التي يتخلق فيها الضوء ، وأمانة اللغة في معجمها ، وبنيتها ، وأساليبها ، وأخيلتها حتى يكون التفكير في إطار قيمي يساعد القراء على توجيههم نحو أهداف سامية لا تتعارض مع المنطق وتفتح قنوات الاتصال مع الناس دون أن يعوقها عائق .
ونحن مع مطالعة سطور هذا الكتاب نصاحب الكاتب الشيخ ( سعد الفقي ) الذي يطلق النجوم من عقالها ، تضئ كلماته ، وتلملم الياقوت من جيد المغيب الشارد ، وتقدم الفكر على التكفير ، تفيض بالدفء الإنساني ، تصدح بفكره ، وتقف بنا أمام روضه ، وترشقنا بورده وعطره . وتشير إلى اعتزازه بوطنه ، وقوة حنينه إليه ، تبشر بالخلاص من الظلم ، وتصدر أحكامه عن طريقها في ضوء التحقيق ، والتدقيق ، والتوثيق ، والإنصاف لا في بهرجة المبالغة والإسراف . ونرى حجته قائمة أمام من يكره إظهار الحقيقة إذا كانت تخص مذهبا غير مذهبه ، أو تشيد بفضل إنسان على غير اعتقاده . لقد أعطى صاحب هذا الكتاب كل مواهبه للكتابة فانتزع منها كل هباتها ، فبعث بها الحياة في قلب الموات .
أمين مرسي
عضو اتحاد كتاب مصر
و اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا