Myspace Rainbow Text - http://www.myrainbowtext.com

إزاي نرجع عُشّاق ؟ سامية الصعيدي


إزاي نرجع عُشّاق ؟
سامية الصعيدي

هذا الديوان فيه لغة تعبير وتصوير، وفيض مُوسيقي، وإيقاع تقبله الآذان الصحيحة، والأذواق السليمة، وفيه إيقاع يتردد برعشة الحنين العاصف، وتتجلى فيه رقة الإحساسِ،والمشاعرِ المُرهفةِ، وإننا لنحُس إزاءها ما أحسسناه عند سابِقَاتِهَا، فنقرنها إلى شواعِر العاميّة المُبدعات، وقد قدّمَت الدليل على أن تعليم الإبداع الأدبيّ أمرٌ مُستحيل، إذ يتحتم على مَن يقُوم بهذا العمل أن يَنطَلق مِن موهبتِه، فالفن بصفةٍ عامة مَلكة ممنُوحة من السماءِ، ولا يُمكن صناعتُها على الأرضِ .
والديوان ينْفُذ مِن دائرة زمن عطائِه إلى ما هو أبعد منها،
فلا يغرق في الراهنِيّةِ، والآنيةِ، ويتعدى وقت ظُهُورهِ، وبروزهِ، دون أن ينجرف، أو ينحرف عن جادة الموضوعية، وحقيقة الواقعية.
إن الشاعِرة «سامية الصعيدي»أغنت ديوانها بدفقٍ من رهافةِ حِسِها، ونافذ رُؤيتها، وبريق ذِهنِها، واستشفافِ ذوقِها، وصفاءِ وجدانِها، ونظراتِها الصحيحة، بما فيها من تماسكٍ وسبكٍ وحبكٍ، وغوصٍ في مواطنِ النفسِ، مع جمالِ العرضِ، وطرافةِ العبارةِ، وشاعريتِها، إلى جانبِ ما أسبغتهُ
علىقصائدها من حدبٍ وعطفٍ، مع غوص في الكلماتِ التي اتحد فيها عقلها وحسها؛ لتصوير مشاهد الحياة الحافلة بالتقلبات، والمُفارقات، والدموع، والضحكات .
والشاعرة «سامية الصعيدي» في إبداعها لا تُقلد أحدًا ،
ولا تستظل بظل أحدٍ، فليس ثمة أقنعة على وجهها كما يفعل بعض الناس، إنما هي وجهٌ واحد واضح القسمَات،
مُحدد السمِات، وهي تغرق في الأسى حتى أُذنيها، وكثيرًا ما نَقعُ عندَها على صورٍ بديعة حين تهتزُ أغصانُها النديّة،
وللهِ دَرُّ«إبراهيم بن خفاجة» القائل :
في كل نادٍ مـنـك روضُ ثـنـاء

وبكل خدٍ فـيـك جـدولُ مـاء

وكاد جُمهُور شِعرها أن يَذهب في الحزنِ، وقصائدها تُعبرُ عن روحِ الأصالةِ، وأيًا كان فشِعـرُ هذا الديوان واضحٌ،
ولكنه رغم هذا الوضوح لا يَنْفضُ المُتلقُون مِن حولِه،
فالتّعبير عن الرأيّ يَكونُ مُباشرًا في أغلب الحالات؛ أما في التعبير الإبداعيّ فنحن نتعامل معخيالِ (الكاتب/الكاتبة) ومَا يُقدم من صورٍ ورموزٍ، وتصورات تتجاوز المعنى الظّاهِر والمُباشر، والفرق واضح ، بل لعله ساطع .
والديوان الذي بين أيدِينا :
برزت فيه براعة السَّبكِ، وصفاء الطبعِ ، فما يجِف أو يخمُد، فهو يضُم الفن بما فيه من فكرٍ وعاطفةٍ، ومشاعرٍ ووجدانٍ، وإلهامٍ وخيالٍ، وأداء بيانيّ يتنامَى ويُغْني، ومن هُنا كان العطاءُ أصيلاً مُلتزمًا بقيمٍ فنيّةٍ راسخةٍ مُنْفتحةٍ، وأصول فكريّة مُتطورة، وقيم ومبادئ، ومُعطيات تراثيّة، وحضاريّة، عصريّة ومُتجددة، لا تنْفد ولا تنضب، بل تزداد مع التلقي جِدة ونضارة، وتزدادُ مع الدَّرس الأدبيّ حياة .
مع الرباعيات
الرباعيةُ في الشعـرِ : منظُومة شعريّة ، تتألف من وحدات ، كلُّ وَحدةٍ منها أربعة أشطر تستقل بقافيتها ، وتُسمى في الشِّعر الفارسيّ بـ(الدُّوبيت)، وللأشطر الثلاثة الأولى قافية خاصة، وللرابع قافية تتفق مع الشطرِ الرابع من كل قطعة([1]).
وقد اشتهر«عمر الخيّام»([2]) برباعياتِه الشهيرة، وخير من كَتَبَ عنها : (كريستنسن ، وأربري ، وفروغي).
وللرباعيات ترجمات عربيّة كثيرة، وقد أثبت الدكتور
« محمد صالح القرق» أسماء وصور أربعين مترجمًا لرباعيات الخيام من عربٍ وغيرهم([3])، وقد ترْجَمَ
«أحمد رامي»([4]) منها (75 رباعية)، وقد تغنّت كوكب الشرق «أم كـلـثـُوم» برباعيةٍ مَطلعها :
سَمعـتُ صوتـًا هَاتفـًا في السّحـر
نادى من الغـيـبِ غـُفـاةَ البَـشـر
هـُـبـُّـوا املئوا كأسَ المـُـنـى قـبـل أن
تـمـلأ كأسَ العـُـمـرِكفُ الـقـدر
وقد صاغ الرباعيات مُبدعُون كثيرُون ، ومِنْهُم الزَّجالون: «رشدي عبد الرحمن»القائِل :
هوِّن على نفـسـك .. لـيـه هـمـّـك ؟
وانتهز الفـُـرصـة دي ما تدومشي
بُكره تُراب قـبـرك ح يـلـِـمـك
وتـطـوّل نـُـومـتـك .. ما تـنـامـشـي !!
و«أحمد حجاب»القائِل :
سِمِعـت صُـوت في السَّحـر بينَادِي ع النايميـن
بيصَحِـي أهل الهَوَى ، ويـنَـبـِـه الغَافـلِـيـن
امْـلـُـوا كَاسَات الصَّفَا ، واتهـنُّوا بـايامكـم
دنـيـا زَوَال تِنْتهِي ، واهل العُـقـول عـارفـيـن
و«محمد رخا»القائل :
فـتّـح يا نايـم وكحّل بالجـمـال عِـيـنـك
الكُون ينوّر والضُّحى صبَّح على جبينك
وام الشُّعُـور الـدَّهَـب جَاتك بـيـُـوم نادي
والورد في لمسِهَـا زَاهي فْ بساتينـَـك([5])
و«سامية الصعيدي» القائِلة :
سِمِعت صُوت في السّحـر ؛ فـتـّحـت انا ودانـي 
بيـصحى كُل البَشَر، ويِهِز وجدانـي
بيـقــول ساعـات الخـطـر ، في الموت حتغلبكُم
انـسـوا الهمـوم والضَّجَر، أصل الجسـد فـاني
من قاموس الشاعرة
وشاعرتُنا تستتخدم التعبيرات الشعبيّة، ومن ذلك قولُها في قصيدة بعنوان :(عريس مرفوض):
قـُـصـر الـكـلام باللـيـل
شُـفـت الـعـذاب والـويــل 
مِن دَارِي جِـيـت للـنـار
وطـفـح بـقـلـبـي الكـيــل
و(قُصر الكلام) تعبيرٌ شعبيّ يُستخدم بمعنى : "خُلاصة الكلام" أو "مُختصر الكلام". وتَستخدم شاعرتنا (الأمثال الشعبيّة) وتُضمنُها قصائدِها ، ومن ذلك قولُها فيما سَبَق :
(من داري جيت للنار)،
نَقلاً عن المَثل الشعبيّ : " م الدار للنار" ([6]).
وفي القصيدة أيضًا تستخدم لفظة "الخنساء" إشارة إلى «تماضر بنت عمر بن الحارث» من بني سليم ، من مُضر ، أشهر شاعرات العرب وأشعرهُن من أهل نَجد ، وأكثر شعرها وأجوده في رثاءِ أخويها «صخر» و«معاوية» وكانا قد قُتلا في الجاهلية ، تقول شاعرتنا :
فوق راسي صبُّوا بلاء
أبكي كما (الخـنـْـسـَـاء)
صبري في صدري حبيس
والحفل كلُه رياء
وفي قصيدة(العمر يوم)تقول :
أنا اللي صـبـرت ودموعِـي
على الخد (الأسيل) سَايـلـيـن
ومِن نُور الأمل شِعـري
حيحكِي القِـصـه للملايـيـن
وفي قصيدة (خديعة) تقول :
خـدعِـتـنـي بـسـحـرهـا
و(أســـالـة) خـــــدهـا
رحّـبـت بِـعـِـشـْـقـِـهــا
قـلـبـي انـفـتـح لـــهــا
و(الخدُ الأسيل): هو الخد الأملس المُستوي ، يُقال : "خدٌ أسيلٌ"، وكفٌ أسيلةُ الأصابعِ ، والمَحمُود من النِّسَاء عِند الرِّجَال على حدِ تعبير «النفراويّ»: المَرأة الكاملة القد العريضة، خصيبةُ اللحمِ، كحيلة الشَّعْرِ، واسعةُ الجبين، زَجَة الحوَاجب، واسعة العيون، في كحلةٍ ناصِعَة، وبيَاض نَاصع، مُضخمة الوَجه،أَسِيلة الخدين، ... ولها أوصاف أخرى .
وتستخدم الشاعرة كلمة (نازي) في قصيدة (صائد النساء)؛ فتقُول:
صيَّـاد للقـلـب غـَـازي
والعـقـل عَـقـل (نازي)
ولـنـفـسـه عاش مُـغـَـامـِر
صيـَّـاد فِـكْـرُه انتـهـازي
والنازية ، أو الاشتراكيّة الوطنيّة : مَبَادئ وسِيَاسَات حِزب (العُّمَال الألمَان الوَطَنيين الاشترَاكيين)، وعُرف اختصارًا بالحزبِ (النازيّ)، وهو الذي حَكَمَ ألمانيا في عهدِ «أدولف هتلر» (1933م) إلى هزيمة ألمانيا (1945م) في الحرب العالمية الثانية ، ومن مبادئ الحزب سيادة الجنس الآري([7])، والمعني في العاميّة يُشير إلى التسلُط والغُرُور.
وقد أثلج الديوان صدري ، وسعدت بصحبة أشعاره فتحية منا لصاحبة الديوان لما بذلته من جَهدٍ ، وما قدمته
من إبداعٍ وفن.



([1]) المُعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية، جـ 1. و: الموسوعة العربية الميسرة: جـ 2، دار الجيل ، ط2 المُحدثة ، 2001م ، ص 1179.
([2])عمر الخيام: وُلد ما بين 1038و 1048، وتُوفيّ ما بين (1123 و 1124)، وهو: غيّاث الدين أبو الفتح عمر بن إبراهيم الخيام العَالِم الفارسيّ . انظر : المرجع السابق، ص 1061 .
([3])محمد صالح القرق (الدكتور): رباعيات الخيام . و : فاضل خلف : مجلة العربي الكويتية ، ع (618) ، مايو2010م ، ص 188.
([4])أحمد رامي: شاعر مصريّ، وُلد بحي (الناصرية) بالقاهرة، له إنتاج فنيّ ضخم ، منه حوالي 500 أغنية ، وترجم 15 مسرحية ، وكتب أغاني وحوار عدد من الأفلام السينمائيّة ، وشُهر باسم (شاعر الشباب). انظر : المرجع السابق، ص 1174 .
([5])حامد عبد العظيم كمال : رباعيات هذا العالم الفارسي ، القاهرة ، ع (526)، 8/6/2010م ، ص 2 .
([6]) زين العابدين نجم (الدكتور): معجم الألفاظ والمُصطلحات التاريخية ، وانظر : صلاح عيسى : تحقيق كتاب مذكرات فتوة ، صحيفة القاهرة، ع (511)، 23/3/2010م، ص 22 . و: محمد قنديل البقلي : الأمثال الشعبية ، هيئة الكتاب ، ط  1987م . و: أحمد تيمور (باشا): لأمثال العامية ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، و : عزة عزت (الدكتورة): الشخصية المصرية في الأمثال الشعبية ، دار الهلال . 
([7])وانظر : أدولف هتلر (الفوهرر) : كفاحي ، ت : لويس الحاج ، مطبعة بيسان ، ط2 ، 1995م . 
و: الموسوعة العربية الميسرة ، مرجع سابق ، جـ 4 .