Myspace Rainbow Text - http://www.myrainbowtext.com

أسطورة النضال وثلاثية الأحزان رحيل ـ (الأب – الأم – الرمز) المستشار محمد يوسف بلال


أسطورة النضال
وثلاثية الأحزان رحيل ـ (الأب – الأم – الرمز)
المستشار محمد يوسف بلال
تقديم
بقلم الناقد : أمين مرسي
عضو اتحــــاد كتاب مصر وكتاب آسيا وأفريقيـا

هذا هو الديوان الثاني للشاعر (محــــــــمد يوســـــــــف بــــــــلال)يجئ من الأعماق مطرزاً بالحب , وهانحن نرهف الأسماع للصوت القادم من تاريخ القلب , وأفياء الروح , الصوت المتبرعم فينا الذي يعيد إلينا الهُوية , ويرفد الجذور التي دفعتنا إلى فضاء الحياة , وزحمة الضجيج.
وهذا الديوان : في كلماته تنبت إرادة النماء , وفي صفحاته يلمع ندى الصباح , وفي أبياته يرش شاعرنا النجوم للحالمين ويوزع الأقمار للساهرين , ويسقيهم ماء فراتا , إذ يشكل الشاعر الفضاء الخاص لإيقاع شعره , وحركته الدائبة .
كما يشكل الديوان نبض المشاعر في نهر ذاكرة الشاعر ؛ ومن هنا كان إبداعه الشعري مضادا للفناء , ناصعا كالحليب , حاملا في داخله الرغبة في الحياة في زمن لاهث لا يهتم بتلك الجداول الفوارة بروح العطاء.
راح الشاعر يغني ويغرد كالعصفور ,والعصفور لا يغني ليسعدنا - ولا أعتقد أن لديه وعيا - إن لديه وعيا بأن غناءه مصدر سعادة لنا , فالغناء جزء من طبعه , وهو لابد أن يغني في حضورنا أو غيابنا.
 وهكذا بالنسبة للوردة إنها تنشر عطرها لا من أجل أن ننتشي به , فلا وعي لديها بأن هذا العبير سواء أكنا نشمه – يسعدنا – أم لا , إنها تفعله بمعزل عن حقيقة أنه يبهجنا.
إنها تفعل ذلك بسبب أنه جزء من طبيعتها , وهذا بالطبع ما تفعله النحلة وهي تفرز العسل , فهو إفراز يأتي بالسليقة والطبيعة باعتباره جزءًا من تكوينها دون اعتبار لمن ينتفع أو لا ينتفع به[1].
والأمثلة كثيرة منها :الأشجار المثمرة في الغابة التي تطرح ثمرًا يساقط على الأرض , وقد ينتفع به طير أو إنسان فالشجرة التي أثمرته لا يعنيها ولاوعي لها بهذا الانتفاع .
وأعتقد أن حال المواهب التي يملكها البشر هو جزء من هذه الصيرورة , وأنها لابد أن تعبر عن نفسها بمعزل عن وجود وظيفة لها في الحياة , ينتفع بها البشر أو لا  ينتفعون , رغم أن هذه الوظيفة وهذا الانتفاع حاصل.
وربما أن الفرق بين البشر وتلك الكائنات غير البشرية من :زهر, وشجر , وطير,هو هذا الوعي لدى الإنسان صاحب الموهبة بمردود هذه الموهبة , ووعيه بمدى انتفاع الناس بها[2] .
ولما كان النقد قراءةً عميقةً , أو على الأصح تركز على جانب  معين - أي القراءة - وتكشف في الأثر الأدبي عن مدركٍ محددٍ ,وتعمل على فك الرموز,وتُساهم في التأويل ؛ فان ما يكشف عنه النقدُ , لا يمكن أن يكون مدلولا : (نظرا لأن هذا المدلول يتراجع مرتداً دون توقف إلى غاية فراغ الذات ...
فالمعنى الذي تمنحه تلك القراءة عن حق للأثر الأدبي ,لا يكونُ في نهاية المطاف سوى بداية ازدهار جديد للرموز التي صاغت ذلك الأثر ) بحسب الناقد الفرنسي رولان بارت (1915 م -1980 م) رائد النقد البنائي المعاصر ,الذي استطاع أن يَجعَلَ من لغةٌ الأثر الأدبيّ محورًا للدراسةِ النقدية , ويجعل اللغة تحتل مكان الصدارة في كل تحليل نقدي.
وقد اعتمد في تحليله للأثر على فكرة الأنموذج النظري المنطقي وعلى مفهوم النسق أو النظام ؛ فبنية الأثر عنده – لا تكمن في موضوعه بل هي قائمةٌ في عقل الناقد نفسه.[3]


احتراق
وفي قصائد الرثاءفي هذا الديوان نرى الشاعر وهو هائم في متاهات الوجد والاحتراق , وتظهر في قصائد الرثاء مقدرة الشاعر التعبيرية , وطاقته الشعورية , ودقته في رصد الحياة وما يجري بها من أحداث .
إذ يصدر في معظم هذه الأشعار عن عواطف جياشة تتخذ موضوع الموت ساحة لها ولا غضاضة في ذلك فموضوع الموت يختزن الحياة بحلوها ومرها , ويجعل الإنسان هدفا وغاية .
بالإضافة إلى ذلك يضم الديوان الشعر الذي يعمل على شحذ الشعور , وإضفاء الرهافة عليه , وإلباس الحياة ثيابا متنوعة متماوجة في ألوان مختلفة .
يقول شاعرنا في قصيدة بعنوان :
 (سر وجودي) :[4]
يا أحداث اليوم الأغبر
     إني أروي سرا يظــــــــهر
 يوم يمضي ..يوم يأتي
ونولى بالأمر الأخطـــــــر
رحل الغالي أبي الحاني
رب الدار الحُرِّ  الأنــــــور
 إني لا أنسي من ألمي
 ذاك اليوم الشؤم الأغبـــــــر
والقصيدة التي اخترنا منها هذه الأبيات من (بحر المتدارك) [5] وضابطه هو :

دارك قلبي بلمى ثغـــــر
                فـــي مبسمـــه نظــم الجوهــر
فــــعلن فعلن فعلن فعلن
                (إنــــــا أعطينــــاك الكوثـــر)[6]
وقد عمد بعض علماء العروض إلى القرآن الكريم , وأخذوا منه ضوابط غير هذا الضابط الذي قدمناه.
ولو مضينا في ضرب الأمثلة لطال بنا الوقت , ولهذا سوف نتفرغ لإلقاء الضوء على نماذج شعرية لنبين ما بها من إيحاءات ودلالات .
الشاعر والرثاء
الرثاء من أغراض الشعر العربي المستمرة في جميع العصور , ومعظمه ذاتي , لأنه نوع من المدح . وفي العصر الجاهلي اشتهرت (الخنساء) ت 645 (تماضر بنت عمر بن الحارث من بني سليم , من مضر) اشتهرت برثاء أخيها (صخر) ومن ذلك قولها : [7]
أعيني جودا ولا تجمدا
             ألا تبكيان لصخر الندى
وقد فقد الشاعر ابن الرومي ( 835 م -987 م ) أبو الحسن علي بن العباس بن جريج– فقد ابنه (محمدًا) فاشتد حزنه عليه , فأبدع قصيدة مؤثرة معبرة عن تجربته الوجدانية الصادقة ومن ذلك قوله : [8]
بكاؤكما يَشْفي وإن كان لا يُجدي
        فجودا فقد أوْدى نظيرُكُما عندي
ولابن الرومي قصيدة في رثاء البصرة [9]  يقول في البيت رقم (1) :
ذاد عن مقلتي لذيذ المنــــــــام
      شغلها عنه بالدموع السجـــام
وفي نهاية القصيدة بالبيت رقم (80) يقول :
لا تطيلوا المقام عن جنة الخلـــ
            د فأنتم في غير دار مُقَامِ[10]
على الدرب
وشاعرنا يفلسف شعره في الرثاء , والشاعر الفرنسي (بودلير) يقول : (الشعر فلسفي بالأساس , لكن بما أنه قدر قبل كل شيء , فأنه عليه أن يكون فلسفيا بنحو لاإرادي).
والشاعر (محمد يوسف بلال)يسير على درب شعراء الرثاء , ويتناول فلسفة الموت في شعره فيقول في رثاء أمه : [11]
أيا أمي أراك بكل شيء
– وحق الله – في بصري الأكيــِد
فأنت الشمس إذ أبصرت يوما
     وأنت البدر في الليل الشديـــــِد
 وهذا النجم قد أبصرت يبكي
 بكاء الدهر للحـــــر الفقيــــــــــِد
 تحملت المصائب نصف قرن
     شدائدها من المـــــر البليــــــِد
 وقد قاسيت يا أمي كثيرا
   بلى والهم يأتــــــي بالمزيـــــــِد
ومن ذلك نعرف أن النمط الحزين الذي صاغته (الخنساء) صب في عدد من النصوص لكثير من الشعراء منهم : الشاعر (محمد يوسف بلال) وابن الرومي , ونزار قباني صاحب قصيدة (يا ست الدنيا يا بيروت) [12] حيث يقول :
يا ست الدنيا يا بيروت
من باع أساورك المشغولة بالياقوت
وفي ديوانه : ( لا ) [13]  يقول في رثاء الرئيس الراحل ( جمال عبد الناصر ) :
قتلناك يا آخر الأنبياء
قتلناك ..
وليس جديدًا علينا
اغتيال الصحابة والأنبياء
فكم من رسول قتلنا
وكم من إمام
ذبحناه وهو يصلي صلاة العشاء
فتاريخنا كله محنة
وأيامنا كلها (كربلاء)
ولنزار قباني في الرثاء أيضا قصيدة بعنوان : (عندي رسالة عاجلة إليك) وله أشعار في رثاء زوجته[14].
وفي رثاء المناضل ( إبراهيم شكري ) يسير الشاعر ( محمد يوسف بلال )على درب شعراء الرثاء في العربية فيقول :
أيا (شكري)البطولة غبت عنا
    وقد سطرت آيات النضــــال
خلودك في شغاف القلب يبقى
   وفي الفردوس يا خير الرجــال
فأنت حديثنا يا نور قلـــــــبي
   كما جاء  الحديث لخيــــــر آل
تركت العزوالعلياء دومًــــا
      وتسعى العمر في فك العقــــــال
وآثرت التواضع يا كبيرا
       وناديت الجميع إلى الوصــال
هكذا يخترق الشاعر الحاجز المستعر الذي يتلظى لهبًا .
والقصيدة تم شحنها بالمعاناة , وأصبحت الذكرى وعاء لها , كما أنها مليئة بإشارات الحزن , والافتقاد , والمناجاة , حيث نشم بها رائحة الموت , والنهاية المأساوية التي تنفرد بالروح وتفترسها[15].
وتبقى هُوية  الفن التركيبية ضرورة سيكولوجية من حيث إخراج اللاشعور المتناقض المفكك إلى الشعور المنظم الموحد [16].
وبذلك انضمت الثقافة الواسعة إلى الذوق المهذب المصفى لدى الشاعر لتجويد الشعر وتوفيته حقه من جميع الوجوه اللفظية والمعنوية [17].
ويمكن للمتلقي الإحاطة بثقافة الشاعر الصوفية , فشاعرنا ( محمد يوسف بلال ) ينحو نحو الوسطية التي تعني في تحليلها النهائي ( العدل ) , كما نسب ( الطبري ) إلى أهل التأويل .
ومن ثم ليس صدفة أن نجدد في فصل (الأخلاق) أن العدل هو الصفة الأولى في هذا المذهب .
الشاعر والحركة الشعرية
أما صفة ( الحركة ) : فهي التي أعطت الوسطية خصوصية وخلصتها من المرحلة الهلامية , والتسيب بين مفهوم الوسطية في الحضارات الأخرى .
وقد انعكست تلك ( الحركة ) على مظاهر الوسطية السلوكية , والقصائدية , فالعلاقة بين الله والإنسان تقوم على تلك ( الحركة ) فلا هي تركت إلى عالم الإنسان فتهدأ ولا هي تتحد بالمطلق فتستقر, بل هي في حالة إرخاء  وجذب , وتضرع وخفية , ورغبة , ورهبة , وخشية , ورجاء .
والأخلاق تهدف إلى السكينة , وهي ليست شيئا من وراء الحركة ولا تهدف إلى العزلة , بل هي شيء يتولد في ذروة الصراع وفي إبان القلق والاضطراب – كما ذكر ( ابن القيم ) فيمنح النفس الهدوء .
والأدعية المأثورة – التي تمثل أدب الوسطية , احتفظت بتلك المسافة الدقيقة بين العبد ومولاه , فالعبد لا ينسى موقفه ويندمج في عالم الألوهية , ولا هو يبتعد عن ذلك العالم , فيحتفظ , بتلك المسافة الحرجة , والتي تجعله دائما مشدودا , دائرا بين التوفيق والخذلان .
وقد كان أكثر دعاء النبي e:
( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) , أنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ [18].
ودليلنا على ما نقول في قول الشاعر : (محمد يوسف بلال) : 
هذا جمالك في الوجود رأيته
     لما ملكت القلب بعد محبتــي
فهتفت من أعماق قلبي قائلا:
       يا رب يا خلاق سالت عبرتي
ومضيت أدعو بالضراعة حقبـــة
                   حتى أعطر بالمحبة كلمتــــي
والقلب قد رج الفضاء نحيبـــــــه
        والروح قد بلغت نهاية رحلتـي
فالحب في الأعماق مشبوب اللظى
     والدمع فوق الخد أيد حجتـــــي
سالت دموع الوجد بللت الثــــرى
     فإذا دنا أجلى عرفت نهايتـــي
الشعر العفيف
والقصائد الشعرية للشاعر : (محمد يوسف بلال) تتسم بالصوفية والروحانية المطلقة . ونحن نلمح فيها مفردات الصوفيين كالروح والجوهر والصبر , استمع إليه حين يقول :
أبصـــرت جمالــــك حــــقا
      هو جــــوهر حلم سعـــيدِ
وعن سر الوجود يقول :
يوم يمضي ..يوم يأتي
    ونولى بالأمر الأخطـــــــر
وتتردد كلمة الروح كثيرا ومن ذلك قوله :
ذهبت إلى الصفا و(الروح) تسعى
      وكان السعي بالقلب الــهزيل
ويقول عن النفس:
ليغفر لي إله الكون ذنبــي
     وتأوي (النــفس) للظــل الظـــليل
وما كان البكاء سوى دواء
   يقي (النفس) الضلالة في الرحيل
وتتردد الكلمات الخاصة بقهر الشيطان ومنها:
ليس (للشيطان) عــندي
 أي وزن أو مـــــــقـــام
ويقول :
وفي (رمي الجمار) لنا دروس
    عن (الشيطــــــان) يظهر للخليل
ويقول في مكان آخر :
هذا هو (الشيطان) يهرب صائحا :
       هذا (محمد) لا يحب غوايتي
ويقول في قوانين اللذة والألم والإحتياج المادي المحض :
تركت مفاتن الدنيا ســــــعيدا
       فعاد البشر للقلب الـــعليل
وفي معرض حديثه عن هلاك الأرواح والأجساد وديار الهالكين يقول :
إن للأمــوات قــــــبرٌ
        يستـــــــوي فيه الأنـــام
ويذكر الصبر قائلا :
قد كنت أحزن في النوائب سيدي
             فعرفت أن (الصبر) يصلح سيرتي

وعن الخلود والحرية يقول :

إني أنا (العبد) المتيم ســـيدي
             أطلقتني ومنحت لي (حريتــــــي)
والأمثلة كثيرة مما يذكرنا بقول (أبي حيان التوحيدي) الذي يعد صاحب رؤية صوفية عميقة انجلت عبر نصه الشهير (الإشارات الإلهية) إذ يقول :
(أيها الغائص في الدهشة , أمالك من صرعتك نعشة ؟ .. يا هذا ... ... دع عنك ما خباله عاجل عيانا , ووباله آجل زمانا , أما تمتعض من وقوعك في فخ الهوى , وحبالة الشهوة , وشرك «الشيطان» بسبب ظاهري لا ثبات له , وزبرج لا صنعة فيه , وعارض لا غيث معه , وظل لا معوج عليه ؟ .. لكنك في سكرتك عامِه , وفي صحوتك من خمارك واله .. والندامة والحسرة يجتمعان في العواقب ..
«يا صريع الشهوات في الشهوات», يا خائضا في الشبهات على الشبهات , ويا ثاويا في الضلالات بعد الضلالات , معتقلا في الجهالات بعد الجهالات , متى يكون انتباهك؟ وإلا أي حد يبلغ سهوك ؟ لعمري فطام «الأرواح» عن الأجساد شديد , لكن «هلاك الأرواح والأجساد أشد» وفوت الدنيا والآخرة خسرانه أبين ..
ألا قفوا على ديار الهالكين ... واستخبروها .. كيف تفرقت تلك الأجسام الكثيفة ؟ واضمحلت تلك «الجواهر» الشريفة ؟ .. خدعتكم الشهوات فملكتكم, وسباكم  «الشيطان» من أوطانكم فباعكم في أرض أعدائكم بثمن بخس .. فبقيتم في بلاد الغربة بلا أنس ولا سلوة ...
غرقتم في بحار الغرور وركضتم في ميادين أجرامكم .. اسلل نفسك من هذا العاجل المحشو بالتمويه .. ولا تجنح في كل ما تراه عينك إلى ظاهره بل غص على خفيته ودفينته , فهناك اللب والحقيقة )
ومن الواضح أن النزعة الأخلاقية الكلاسيكية ذات الطابع الديني تسيطر على النص , حيث يتبلور مفهوم الغفلة المعرفي في سياق السقوط القيمي للإنسان حين يغيب عن حضوره الروحي الخالد , أي حين ينحاز انحيازًا مطلقا لطبعه المادي .
حيث تستسلم الروح وتخضع خضوعا مطلقا لهيمنة الجسد فتنحسر داخل حدوده وقوانيه , «قوانين اللذة والألم» , والاحتياج المادي المحض , قوانين الضرورة المقيدة .
بل التغير والزوال والعدم , بالمعنى العبثي , حيث لم يبزغ بعد فجر الوعي ولا التحديد الذاتي الذي يعبر عن القرار الإرادي الحر للفرد المتميز .
إنها لحظة الانزلاق داخل ملكوت العمى , إذ يسقط المرء في عمق ظلمة الجسد مستعبدا لهواه , مملوكا لشهواته الدنيوية , أسيرا «لشياطينه» القارَّةُ في أعماقه لاهثا وراء المتع العدمية اللحظية , منفيا مغتربا عن مملكة الروح حيث معانقة الوجود في حضوره الأصيل المنطوي على العلو والخلو «والحرية».[19]
فنحن أمام شاعر في هذا الديوان يعف عن المطامع الدنيئة ويتكرم عن المكاسب الشائنة , وقد أسْلَمَه الجَلَد , وأقلقه الوجد , وأنحله الشوق , وأسقمه , وأذابه , فاستطار فؤاده , وسطر هذا الديوان .
وقد تفجرت وتدفقت سيول البلاغة على لسانه , فملك أعنة القلوب , وردَّ شاردَ الأهواء , وقوّم زيغ النفوس , فسكنت الجوارح , وخفقت الأفئدة .
ولهذا كانت هذه السطور في حق هذا الديوان , بعيدا عن الشرح , والإبانة , والتفكيك , الذي من شأنه إطفاء جذوة الشعر , وتبديد أصالته , وقياساته اللغوية .
فالشعر كما تحدث عنه (سان جون بيرس) : (هو بدء نمط حياة كلية أكثر من كونه نمطا معرفيا).
وفي الديوان يبلغ التماهي بين الشاعر وموضوعه درجة عالية من الإبداع لا تخفى عن عين المتلقي الواعي , كما أن الإبداع عنده طاقة توليدية , وشعره تقطير بطئ لوجوده – على حد تعبير الشاعر اليوناني : (قسطنطين بتروس كافافي) (1863-1933) 
ولقد سعدت بصحبتي لهذا الديوان مع الشاعر المستشار محمد يوسف بلال الذي جمع بين الأدب والقانون في وعاء واحد هو وعاء الإبداع , والله ولي التوفيق .

[1]أحمد إبراهيم الفقيه :حبر على ورق , صحيفة القاهرة العدد474 , بتاريخ 26/5/2009 .
[2]المرجع السابق , نفس المكان .

[3]رولان بارت :النقد والحقيقة , بيروت , لبنان , الناشر , دار الجبل ,ط 1986م,ص23. وقد انطلق (بارت)من اللغويات تحت تأثير أفكار (دي سوسير )(1857م - 1913م) مؤسس اللسانيات الحديثة , وراح يؤسس النقد وفق دعامة لغوية ومنهجية تحليلية .
[4]ديوان المستشار الشاعر محمد يوسف بلال .
[5]أمين مرسي :تبسيط العروض للناشئة (مخطوط) , والنظر :أمين علي السيد (الدكتور) :في علمي العروض والقافية , دار المعارف , ط 5 , 1999 م , ص 146 .
[6](إنــــــا أعطينــــاك الكوثـــر) : سورة الكوثر , الآية (1) , وانظر : محمد فؤاد عبد الباقي : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم , بحاشية المصحف الشريف , الناشر دار الحديث , القاهرة , ط 3 , 1991 م .

[7]الموسوعة العربية الميسرة , ج 2 , دار الجيل , ط 2 المحدثة , 2001 م , ص 1057 .
[8]أحمد محمد صقر : الأضواء , نهضة مصر , ط 1991 , ص 46 .
[9]أشرف محمد علام (الدكتور) :فصول من علوم العربية , رثاء البصرة لابن الرومي ,كلية الآداب , جامعة حلوان ,ب – ت , ص 223 .
[10]المرجع السابق .
[11]ديوان الشاعر المستشار محمد يوسف بلال .
[12]نزار قباني : ديوان (إلى بيروت الأنثى مع حبي) , بيروت , لبنان ,
  ب – ت , ص29 .
[13]نزار قباني ديوان  ( لا ) , بيروت , لبنان , ب – ت.
[14]الكواكب ,العدد 2495 , 25 مايو 1999 , ص42 .
[15]شئون أدبية :اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ,ع 1987 م .
[16]يوسف الشاروني : دراسات أدبية , الألف كتاب , ع502 , مكتبة النهضة المصرية , ط 1964 م , ص118 .
[17]شوقي ضيف (الدكتور) : النقد , دار المعارف ,ط 5 , ص46 .
[18]محمد مهران السيد : الوسطية العربية حوار مع عبد الحميد إبراهيم (الدكتور) ,مجلة شعر , ع 31 , يوليو 1983 , ص 96 .
[19]هالة فؤاد (الدكتورة) : خواطر صوفية , الغفلة والسقوط  ,العربي , ع 608 , يوليو 2009 , ص 64 .

المصادر والمراجع
1 - القرآن الكريم .
2-أحمد إبراهيم الفقيه :حبر على ورق , صحيفة القاهرة العدد474 , بتاريخ 26/5/2009 .
3- أحمد محمد صقر : الأضواء , الناشر : مكتبة نهضة مصر , ط 1991 .
4- أشرف محمد علام (الدكتور) :فصول من علوم العربية , رثاء البصرة لابن الرومي ,كلية الآداب , جامعة حلوان ,ب – ت .
5- أمين علي السيد(الدكتور): في علمي العروض والقافية , دار المعارف , ط 5 ,1999.
6- أمين مرسي :تبسيط العروض للناشئة (مخطوط) .
7- حسني عبد الجليل يوسف (الدكتور): موسيقى الشعر العربي ,دراسة فنية وعروضية ,الهيئة العامة للكتاب , ط1998  .
8-رولان بارت :النقد والحقيقة , بيروت , لبنان , الناشر , دار الجيل ,ط 1986م.
9- شئون أدبية :اتحاد كتاب وأدباء الإمارات–دولة الإمارات العربية المتحدة ,ع 1987 م .
10- شوقي ضيف (الدكتور) : النقد , الناشر : دار المعارف -مصر,ط 5 , ب- ت .
11- عبد الحميد إبراهيم (الدكتور) ,مجلة شعر , ع 31 , بتاريخ شهر يوليو 1983  .
12- الكواكب (مجلة ),العدد 2495 , بتاريخ25مايو 1999.
13- محمد فؤاد عبد الباقي : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ,بحاشية المصحف الشريف , الناشر دار الحديث , القاهرة , ط 3 , 1991 م .
14-محمد مهران السيد : الوسطية العربية حوار مع أشرف محمد علام (الدكتور) :فصول من علوم العربية , رثاء البصرة لابن الرومي ,كلية الآداب , جامعة حلوان ,ب - ت.
15-محمد يوسف بلال (المستشار) , ديوان الشاعر .
16-الموسوعة العربية الميسرة , ط 2 المحدثة , ج 2 , دار الجيل , 2001 م.
17-نزار قباني : ديوان (إلى بيروت الأنثى مع حبي) , بيروت , لبنان ,  ب – ت .
18-نزار قباني ديوان  ( لا ) , بيروت , لبنان , ب – ت.
19-هالة فؤاد (الدكتورة) : خواطر صوفية , الغفلة والسقوط  , مجلة العربي الكويتية , ع 608 , يوليو 2009 م .
20- يوسف الشاروني : دراسات أدبية , الألف كتاب , ع502 , مكتبة النهضة المصرية , ط 1964 م.
-----------------------------------------
*تم ترتيب المصادر والمراجع ترتيبا ألف بائيا بحسب أسماء المؤلفين مع حذف (أل) وتقديم القرآن الكريم لهذا لزم التنويه .