هذه المجموعة القصصية
(غزة , الخيط الغليظ) للأديب المهندس (عطية زهري)
لوحة أدبية تتداخل فيها الحدود بين الحياة والموت / الشهادة وتدور أحداثها حول حرب (إسرائيل) على (غزة) التي استمرت 22 يوما أواخر عام 2008 م , وأوائل عام 2009 م , واستشهد فيها 1400 فلسطيني من أبناء (غزة) , وأصيب أكثر من 5400 نصفهم من الأطفال والنساء , بالإضافة إلى تدمير نحو 21 ألف منزل , وتجريف أكثر من 6600 دونم من الأراضي الزراعية , وأطلقت (إسرائيل) قذائف الفوسفور الأبيض على منشآت لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مع القصف المتعمد لمستشفى (القدس) بقذائف متفجرة , وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من الخسائر في الأرواح البشرية , والإصابات التي نالت المدنيين , والخسائر المادية , وكلها خرق للقانون الإنساني الدولي .
وقد فرضت (إسرائيل) عقوبات جماعية على السكان في (غزة) (نحو 1.5 مليون نسمة) , كل هذه الحوادث نطالعها في عمل إبداعي تتداخل فيه الحوادث ومواقف الشخصيات التي تظهر ملتصقة بأفعالها , وتتجذر الدوال والمدلولات , وتتتابع الإيحاءات , وتتشابك الممارسات مما يشي بروعة هذا العمل وعمقه التدوالي , كما تتوزع الفضاءات الزمكانية داخل المجموعة , وتترابط بعلاتها ومعلولاتها .
ومن هنا كان جوهر هذه المجموعة القصصية هو العبور من الشخصي إلى الإنساني , فتنقشع الغيوم الداكنة عن سماء الكلمات . وبهذا يشارك العمل الفني في المعرفة الإنسانية , وهذا هو ما وفر للمؤلف رصيدا عاليا من العناصر والمكونات الإبداعية التي تدعمه في بناء نصه بعد ذوبانها في بوتقة واحدة .
والجدير بالإضاءة هو أن النص حافل بالشخصيات التي تحمل مشاعر الغربة في الوطن الذي حوله الصهاينة إلى سجن كبير , وبرغم ذلك يظهر أبطال المجموعة من أبناء (غــزة) كأمواج تستمد من لحظة الانتهاء دفعة للنهوض , وإعادة الكفاح , والكشف عن الوجه المضيء للمقاومة , والمواجهة الضارية مع العدو الصهيوني ذلك الوجه الناهض كالسيف , وإن تخفى في الغياب , وتجرع الغصص وأهوال الحروب .
يدخل الأديب (عطية زهري) في مجموعته القصصية (غــزة , الخيط الغليظ) إلى ساحة القص مزودا بموهبة عالية , وخيال متوقد , وحساسية مرهفة إزاء اللغة , فالنصوص تعبق بتضاريس الأماكن والرغبات , والأحداث وتدل على الهُوية الفلسطينية دون جهد , ونتعرف من خلالها الظـلال النفسية التي تشكل عالم الأبطــال . وقد كبرُ النص في عيني وذَرْعي , وعظم وقعُه عندي , ووقع نسيجه في نفسي موقعا جليلا .
وفي (غزة , الخيط الغليظ) تبدو لنا الرغبة في الحياة وهي تصطدم بنقيضها الموت , كما يبدو الصراع بين القدرة , والعجز , والقوة والضعف , فيستحيل الوجود إلى وضع غير محتمل .
وتتسع دائرة الفقد , ونطالع الرمز الماثل في الموصوف السردي دون غموض , حيث يقوم المتلقي بفك الرمز عند القراءة دون كبير عناء .
أما الاتجاه نحو الأحداث فإنه يتم بواقعية المعيش اليومي , وللشخصيات حضور بارز في تحدي العجز , والاصطدام بحقيقته المؤلمة , كما يظهر هذا التحدي في الصراع بين الإمكان والاستحالة .
والنصوص : معجم يحفظ التفاصيل , ويرسم حيوات مختلفة تجتمع في أصل واحد هو : (غزة , الخيط الغليظ) , فقد جاد عرضها وسردها , وسار كلامُها , واتسق نظامها , ووقع فيها ما يروقُ ويَشُوقُ , ويرضي طلاب الرصانة , وعشاق الجمال , وكفى بهذا الإجمال تعريفا لمجموعة قصصية هذه صورتها , وتلك خصيصتها , فإن فيها ما يغني عن تفصيلٍ يَقْصُر أو يطول .
الـنـاقـــد أمـيــن مــرســـي
عضو اتحاد كُتّاب مِصرو كُتّاب آسيا وأفريقيا .