هذه الرواية
الذبيحة للروائي المهندس : (عطية زهري)
تدور أحداثها حول الحرب التي شنتها (أمريكا) مع حلفائها على (العراق) فتحولت إلى مارج من نار . والرواية : تجمع بين دفتيها روح كتابية متوثبة , تسعى إلى انتهاج سبيل السرد الروائي برغبة المطابقة الموحية معا , مع فن الحكي , ووهج الشعر , في بنية نصية واحدة مشتركة , فيها إيحاء , ألْهَبه وأخصبه ألق الإبداع الذي تحول بفعل السرد إلى لحظات تتجاوز كل الحدود إلى مكان ومجال أرحب هو الوعي الإنساني الكوني بما فيه من سَعَة تنبت الأمل وتغذيه والرواية بينها وبين أدب المقاومة عهد وعقد , ومنطق وموثق , وقد برع (المؤلف) في تقديم رؤية متكاملة حول آفاق البطولة , والاستشهاد , وأدب الحرب , وثقافة النضال من حيث معناها , ومبناها , ومستوياتها , ومفاتيحها , ودلالاتها المختلفة التي تقود إلى الحرية والتحرير .
ولقد وفق (المؤلف) في تضفير علاقات الزمان والمكان في رباط فني واحد , ورصد حركة الزمن المستمرة التي تبعث الحياة المتجددة , مع رصد الواقع المكاني بمفارقاته وتضحياته , ورسم ملامح شخصياته بريشته المبدعة , فجعل من اللوحة الروائية عملا تشكيليًا وتعبيريًا متكاملا يصل هوادي فنه بتواليه , ويُردف أوائله بأواخره , وسوابقه بلواحقه , وسوالفه بروادفه .
والرواية : تحتمل عدة قراءات بحسب الدراية , فيمكن أن تقرأ من خلال السياق الأخلاقي , أو الاجتماعي , أو النفسي , أو السياسي ... وتمثل الرواية اتجاها شديد الحساسية في التعامل مع الأحداث , وما تنوء به من قهر , وما تفيض به من أمل في تحرير الأرض من الغزاة .
وتفعيل المكان في الرواية كان سببا في وصول المتلقي إلى ذروة الانفعال مع ما يجري من أحداث , مما حول المشهد من السكوني إلى موقف الفاعل .
وقد بذل المؤلف طوقه , ما ونى , وما تهاون , وقدم لنا وصفا تعبيريا لبى مبتغانا , وبلّغنا ما في نفوسنا , ووصل أيدينا بملتمسنا , إذ جمع لنا بين التفاصيل الخارجية , والملامح الذهنية , والسيكولوجية لشخصياته في نسيج واحد محكم , وسلك سبيل (الواقعية) ؛ لكنها واقعية تبتعد عن نطاق التسجيل المباشر, وتقترب من التجسيد الفني ذي الأبعاد المتنوعة والمتعددة والمتجددّة . ووظف المؤلف العديد من أدوات التشكيل الفني في نسيج الرواية , إذ جمع بين النقيضين بـ(المفارقة) ليشعر المتلقي بالتوتر الدرامي , واستخدم الأساليب التي تقوم على التركيز , والتجسيد , والحوار الممتع بين الشخصيات , مع البراعة في نقل الصور للمتلقي , والقدرة على التعبير , وفصاحة الأسلوب , والغزارة في حصيلة الألفاظ , مع إخضاع الوصف والتشبيه لغرض وظيفي خدم بناء الرواية .
ولقد احتفى المؤلف بقيمة الشكل الفني , كما احتفى بالمضمون , واهتم بالتفاصيل حتى تتكامل أمام المتلقي النفس الإنسانية بكل ما فيها من صراعات , وتناقضات , تجمع بين الروح والمادة , والخير والشر , أو تجمع بين الجوهر والمظهر , في لحظة معيّنة من (الزمن) الذي يحمل معه أحداثه , ويعتمد على الحركة , ويتغير تبعا لهذه الحركة .
أما خط الصراع الرئيس الذي يسري في أوردة الرواية فهو صراع بين الحق والباطل , والمعرفة المستنيرة القائمة على القيم العلا والقوة الغاشمة القائمة على الحقد والبطش , والكراهية .
إن الشعب العراقي في الرواية حمولٌ للنائبات , مضطلع بالشدائد , مُقْرن لخطوب الدهر , صُلْب العود , لا يلين لحادث , ولا يتضعضع أمام المستعمر , حمل على الحرب فاحتملها وتحملها , وُطوِّقها فأطاقها , وارتبط بذلك الماضي بالحاضر والمستقبل في وَحدة موضوعية ترمز إلى الوَحدة الدرامية العامة للشكل الفني .
وهكذا تتوالى التنويعات واللمحات التي باح سرها في الرواية وظهر واستفاض وانتشر .
الناقد : أمين مرسي
عضو اتحاد كُتّاب مِصر وكُتّاب آسيا وأفريقيا .